كما يقول أرباب مهنة الطباعة يحتوى الكتاب على سبعة ملازم بواقع 112 صفحة من القطع الجائر20*14 .يقع بين دفتي الكتاب رواية "لحن الصباح" للكاتب محمد ناجى وترجمة لها إلى اللغة الإسبانية للمترجم رفاييل أورتيجا وصدرت عام 2010 عن دار سنابل للكتاب.
“عباس” الأكتع.........”نوفل الخطاط” ..........الحاجة ويكا ..........فانوس ...........الأمير فرغلي ..........ياقوت القاضي .........المرأة المخبولة – كل هذه الشخصيات وأيضا الأماكن – تسرى وتنساب وتندثر عبر ثلاثة أزمنة بين الماضى والآنى والأسطورى رسمها محمد ناجى فى روايته القصيرة "لحن الصباح" بمهارة شاعرية فائقة .
“عباس” الأكتع
الخباز الذى فقد أطرافه فى الحرب عدا زراع بإصبعٍ واحدة ، وعاد خالي الوفاض إلا من تعويض فقده على مائدة القمار وحلم إلقاء الورقة الرابحة على المائدة يسرى فى دنياه مستقلا عربته اليدوية ذات العجلات الأربع . متنصلاً من أية جذور عائلية صانعاً أسطورته الذاتية كأي خباز ماهر يستطيع عجن الشوارع والأماكن والحكايا بلسانه الذى يعوضه عن أطرافه المبتورة . تنكر لأمه التي ولدته وانتمى لفقس بيضة لغراب غلى شرفة مسجد وهنا يذكرنا الكاتب بالحكاية الأسطورية في العهد القديم بإليا النبي الذي أعالته الغربان عند نهر كريث .يقضى "“عباس”" صبحه محاولا التضييق والإجهاز على غريمه "“نوفل الخطاط”" ( فم الأوزة ) بحركاته البهلوانية الرشيقة ، ويقضي ليله مغيبا بخمرته الرخيصة من عصير القصب و السبرتو يحلم بعروسه العوراء التي وعدته "ويكا" بها أو متحفزا تجاه قبيلة الكلاب التي يعتقد ان " نوفل" متخفيا بينهم ، وأحيانا يعود إلى نفسه ويتجمل أمام مرآته ذلك الطفل الصغير الذي وجده في الطريق وجعل يمشط شعره ويرى نفسه في عيون الطفل الحلم والأمل بعيد عن طلقات الرشاشات والمدافع .
“نوفل الخطاط”
أصابه مرض الرعَّــاش بعدما كان خطاطا ذا يد ثابته و وجه ذا فم صامت يدل على الإنهماك في العمل والمهارة في الصنعة ، الأن قد أصبح هيكلا فارغا لرجل لا يستطيع أن يصد غارات “عباس” المتوالية ولا حتى بلسانه الذي عقده الضعف ، مما جعل “عباس” يطلق عليه فم الأوزة . تركته زوجته " جارية " لتتزوج بآخر وتلد منه البنين عوضا عن ولدهما الراحل دون رجعه أو رسالة تدل على وجوده . جلس في الطريق يبيع المسابح الخشبية والبلاستيكية الرخيصة في انتظار التعويض الذي سيرسل له عوضا عن إبنه الذي فقد أخباره . هنا يستطيع أن يشتري مسبحة من كهرمان أصيل تلف يده لتبرئه من مرضه العضال . ونرى مساحة التخييل والأسطورة في شخصية نوفل أفور حظا بعلاقته بـ " فانوس " الحكاء وأيضا بصمته الماسوخوي في إنتظار أن يحبك خية لعباس إثر حركة بهلوانية قاضية تأذن بمحاكمة رسمها " محمد ناجي " ليس في عقل " نوفل " وحده وإنما على جدار الرواية الأسطوري العريض .
الحاجة ويكا
صاحبة محل البقالة الذي يقع نشاط " عباس " و " نوفل " في كنفه وأيضا صاحبة المذياع المؤذن بـ " لحن الصباح " كبداية لليوم أو الرواية . تبيع البضائع الإستهلاكية الرخيصة والحلم الكاذب لـ " عباس " بالعروس الوهمية ، وتلعب دور حكم الساحة المتواطئ بتهدئة النفوس بأن تلقي لهم بفضلات طعامها ليستمر الصراع . حيث أعطاها " ناجي " في يديها الميقات بين لحنين صباحيين ، تبدأ بأولهما الرواية خاطفة سريعة الإيقاع مسترسلة في السرد ، وتنتهي عند أخرهم بمقتل نوفل على يد عباس بتصوير فانتازي لهذه المأساة بجملة " عباس" " .... عملها الكلب " أي نصب لي فخا ومات . ولا أريد أن أترك هنا مساحة أكبر للتأويل فالحاجة ويكا هي الشاهدة على أحداث يوم أو ربما دهر له زمن دائري يبدأ وينتهي من نفس النقطة .
فانوس
جده أول من أجرى قوسا على وتر ، هذا الحكاء الذي ينحدر من سلالة من الحكائين ويلبس حكاياته ثوبا جديدا لكل مستمع ويغير قدها كما غيّر هو وأسلافه أسمائهم تبعا للعصر الذي وجدوا فيه . الأن هو " فانوس " وقد كان "عبد المولى " من سلالة " عبد " وبعد لحظات ربما يطلق على نفسه أسما أخر .
الأمير فرغلي
يظهر مرة على صورة الفارس الأسود على الحصان الأسود على الصخرة السوداء ، على رقبته لبدة الدم وقد أمسك برمحه مستبدا كأنما قبض على النيل – على حد تعبير " محمد ناجي " – وكأنما قبض على شريان الحياة . يظهر مرة أخرى على أنه الولي الشيخ فرغلي أمير المرعوشين ويستمد نوفل قوته الروحية منه – على حسب حكاية فانوس – وتلعب المرأة " جارية " في حكايته دور الخائن الذي يسلمه إلى الثوار من الشعب وتتنكر له عند أفول نجمه كما فعلت " جارية " زوجة " نوفل "
ياقوت القاضي
العدل الأوديبي المطلق ؛ اقتلع عينه أمام الجميع ليطهرها من إشتهاء إمرأة زانية ، وثبت مكانها ياقوتة حمراء منها اكتسب أسمه ؛ الياقوتة التي حاول نوفل الوصول إليها خلال قضبان الضريح ولكنها كانت بعيدة المنال مثل أسرار " ياقوت " التي لا يعرفها سوى العجوز المخبولة تقذف المارة بالحجارة كي يبتعدوا ؛ وكأنها توطد لعقد ديوان جديد من زمن غابر مثل الدواوين التي كان يعقدها ياقوت القاضي وأهمها ديوانه الذي عقد لمحاكمة لص دعيت له المدينة كلها وظل الديوان منعقد كل شهور الصيف وأطلق صراح اللص وكأنه حكم بالذنب على الضمير الجمعي .
أستطاع " محمد ناجي " في سرد لغوي أخاذ أن يمزج الآني بالماضي الآسطوري داخل نصه مما أعطى إيقاعا سريعا متدفقا في روايته القصيرة ، واصفا عالما واقعيا آنيا مشوها بجمل ذات دلالات تحاكي الواقع في احد مستويات التلقي وتحاكي الاسطورة في مستوى أخر للتلقي في نفس الوقت ، مما أعطى الرواية أبعاد كثيرة للتأويل داخل فضائها النصي وجعلها أبهى ما تكون كأسطورة ذاتية ومرثية لضمير جمعي يراه الكاتب بأنه آثم يستحق الحكم عليه بالسجن بين الأماكن التي رصدها في روايته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق