الثلاثاء، 10 مايو 2011

الصحراء

قـارب حـلـم الشتــاء عـلـى الـنهاية , ولـم يـأت المـطر. زرعـاتهم الذابـلات ضـجـت سيـقـا نـها عـطشا , والأوراق تحـنطت عـلى الأرض . الصلوات كفـرت بسائلـيها و المفاصل من الركوع. رحل الجميع تاركـين من ورائهم اوجاع اعـوام مـضـت داخل الكـتلة الإسـمنتيـة الصغـيرة التى تقـف على تل كجرح فى جسد المزارع القاحـلة . اصطحبوا معهم ذلك الحفار الدقاق الذى يلائم الأرض ذات الأمل. التى يقـترب جوفها من السطح .والفـجـر, كان مبتغاهـم فى الوصول ,وعـلى أطراف الأرض التى تم انتقاءها بعناية ركنوا كوخهم الصغير على حافة بيارة لتحـتضن بئر الماء. وبعد وقـت.... افـسحـت الشمس مجالاً للعيون لرؤية ثلاثة الوان تشكل المكان. الأصفـر, الأزرق و الأبيض. الرمال ابتلعت لونها فى صمت , السماء لـفظت سحابات سكبت بعضا من لونها لترسم على الأرض حجارة لمدافـن تظهر على بعد النظر وبعض الكلاب البيضاء التى تحرس المكان عـنوة . بعوضة سمح لها الجمل بالإستراحة عـلى ظهره , فـرشقـت ذنبها فى رقـبته . هكذا فعل الحفار بإنبوبته فى الرمال. وكلما اجتازت الأنبوبة مسافة فى رقـبة الرمال , إزداد إعـجاب الواقـفـين المندمجـين فى المشهد , حتى انهم لم ينتبهوا للبدوى الصغير الذى إخترقهم بجلبابه المخطط الذى إرتداه مذ بدأ يدك الارض بقدميه. اتجه ناحية الكوخ فـدخل وخرج وفى يده رغـيف وطفـل حضرى وابتسامة ابيه تودعهما عـند الباب . بينما العمال يستجدون الماء من البئر ,انطلقا سويا الى أعـلى الـتلـة القـريبة بجوار المدافـن ومن الناحية المقابلة شاهدا خيمة شدت أوتادها, مزركشة كأنما قـد جمعت كل وسخ الصحراء وتركتها نظيفة. فإقـتربا منها ودلفا فى وجل, فإذا بعجوز طالت لحيته منذ سنين إنثنت فيهم ركبتاه تحت جسده . جالس على كرسى من حجر يفـيض عـليه ما تبقى من جـلبابه . وسبابته ترسم على الأرض بين المحارات التى امامه دوائر و أقـواس , وعندما إنتبه لوجودهما – بدأ فى إستعراض مهاراته . صانعا فى الهواء بيديه دوائر تخترق بعضها البعض وثقـوبا ودوامات كحائكة عجوز تخـيط مصائر البشر . فألقى له البدوى بالرغـيف ليكحـل به ناظريه بعيدا عـن صديقه الجديد. فإذا بإحدى يديه تخرج من دائرتها غاضبة وتستقـيم ناحية باب الخيمة . فوجدا نفـسيهما بجوار الحفار وملوحة ماء البئر تظهر على الوجوه . وقـد ثارت الريح على الرمال واخـتلطا فى نقاش عـنيف مع قـدوم الوان جديدة عـلى المكان جعلت الكلاب الموجودة تنبح نباحا كئيب , صديريات سوداء للرجال وأحزمة حمراء للنساء على ملابسهم البيضاء , يحملون تابوتا إستعار لون غـطائه مـن الصبار . متجهين بالطبع ناحية المقابر . فـذ هـبوا- ومعهم الوافـدين المفجوعين فى بئرهم - إجلالا للموت . وجدوا العجوز زاحفا فى إنتظارهـم , ينثر قـطرات من ماء أمام الباب الحديدى لإحدى المقابر , وجعل يعبث بيديه فى القـفـل مطمئناً عـلى سلامته. إنتظر الغرباء طويلا حتى رفع الغطاء عن التابوت حيث وجدوه فارغا . واتجهت الأبصار نحو العجوز الذى قرب شفـتيه الحادتين من القـفـل وأوعـز إليه فا نفـك . فـثارت الرمال مرة أخرى لتستر ما أخرجوه من القـبر. وضعوا خبيئـتهم داخل التابوت , ومضى الجميع يحمل كل منهم الوانه . تاركـين للصحراء الوانها.                                                                                                    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق