وأنا أشاهد اللوحات الأولى لمسرحية "
المخطط " - للكاتب سامح عثمان ومن إخراج المخرج الشاب سامح بسيوني- تداعت إلى ذهني عبارات من رواية ج.م. كوتزي الشهيرة " في
انتظار البرابرة " ، الذي يصور فيها الكاتب الحال السياسي للممالك و
الإمبراطوريات الكبيرة ، التي يحاول حكامها طوال الوقت السيطرة على المحكومين
بإطلاق نفير الحرب بشكل دائم على البرابرة ،اللذين لم يرهم أحد قط ، فقط لإلهاء المحكومين في تلك الحالة العبثية على الدوام ، بأن يظل المحكوم مستكينا
بجوار أو تحت أقدام سلطة الدولة ، محتمياً بها من شرور قدوم البرابرة الأجلاف ، حتى
لو لم يكن للبرابرة وجود أصلاً ، وتستخدم السلطة أبواقها للتأثير على العامة ،أو تتحرك
الأبواق من تلقاء نفسها بنظرية القصور الذاتي ، ولكني أثرت الفرجة إلى النهاية ربما
أجد نفسي مخطئاً بهذا الحدث الأولي ، ويبدو أن حدثي المبدأي قد انتصر علي إلى
النهاية ، التحذير من المخطط القادم الذي سيحيق بالبلاد ، هكذا سارت الأحداث طوال
أوقات العرض في خطين متقاطعين ، أولهما بروفة لعرض مسرحي وثانيهما أحداث مسرحية
المخطط ذاتها ، ، بدأ العرض بالبروفة المسرحية التي كُسرفيها الإيهام من البداية ، مجموعة
كبيرة من الممثلين على خشبة المسرح وشخصية ديكتاتورية لمخرج يجلس في الصالة
لتوجههم ومعها الشخصية النمطية الشهيرة لمساعد المخرج ، وعندما يستعرض المخرج
عضلاته الدرامية على الممثلين بأنه قادر على تحريك الأحداث وتوجيه الدراما كيفما
تريد ، تبدأ الأزمة ويحاول الممثلين التملص من سلطة المخرج الديكتاتور ، وتثور إحدى الممثلات وترفض هذا الوضع المفروض
عليهم جميعاً ، فيستغني عنها المخرج ويطردها ، ويستأنف التدريبات على عرض يحرك
أحداثه كما يريد ، وهنا يبدأ الخط الآخر في الدراما وهو الخط الذي يعتمد على
الإيهام وليس كسره ، أو ما نستطيع أن نطلق عليه المسرحية الحقيقية ذاتها "
المخطط " ، وبشكل ميلودرامي تختار أحدى الجهات الأمنية من خلال الإنترنت "صنع الله "
القهوجي - الذي لعب دوره ببراعة الممثل
" إسلام عبد الشفيع " – لكي يساعد في كشف المخطط الذي يحاك للبلاد ،
وبشكل اللوحات - الذي اشتهر في فترة الثمانينيات و التسعينيات - مر" صنع الله
" بمجموعة من الأماكن التي تشكل التركيبة الاجتماعية للشعب المصري ، مر
بالحارة التي بها المقهى - محل عمله - لكي
يحصل على الأوراق التي كُتب عليها المخطط الغامض الذي دفن بدوره تحت عتبة أحد
المحلات المجاورة ، وهنا يستعرض الكاتب ما وصل إليه حال الشارع المصري في تبدل
الحال من سيء إلى أسوأ ، ويعود المخرج ليحرك الأحداث مرة أخرى من مقعده في الصالة
، ليمنع صنع الله من مقابلة الجهة الأمنية
و تسليمها المخطط ، ويبعث به إلى قسم الشرطة الذي يجد فيه ظباط شرفاء وآخرين غير
ذلك ، لانقاذ البلاد من المخطط ، بإشارة منه على أن الشرطة لم تتغير من سيء إلى
أسوأ كحال الحارة المصرية التي أشار إلى تبدل حالها في اللوحة السابقة ، ولكنه لم
يجدضالته في القسم ولا أعرف لماذا ..؟ يبدو لكي تستمر الأحداث ...، وبنفس الشكل
الميلودرامي ينقل المخرج الأحداث إلى مكان
تجمع إحدى الجماعات الدينية المتشددة ، و بدلا من مناقشة القضية بطريقة منطقية
كعادة تناول الدراما المصرية لهذا النمط الاجتماعي ، يتم تناوله بشكل الكليشيه
المعهود (( لا تناقش ولا تجادل )) ، وانتقلت الأحداث مرة أخرى بأمر مخرجنا لأحد
مقاهي المثقفين ، وبنفس الطريقة بدأت الاتهامات تكال إلى المثقفين بالجهل و
التحذلق و العمالة واستجداء التمويلات من الخارج ، وانتقل بعدها إلى اللوحة
الأخيرة في الخط الثاني من دراما " المخطط " بذهاب " صنع الله " إلى أحد رجال الأعمال
لينقذ البلاد من المخطط فعلم بنفس الطريقة الميلودرامية من خلال مكالمة تليفونية جاءت لرجل الأعمال أنه
يتهرب من الضرائب ، فخشى أن يطلعه على أوراق المخطط ، ونعود مرة أخرة لكسر حالة
الإيهام بتدخل المخرج في الأحداث مرة أخرى وأخيرة ، فيثور عليه الممثلين ويتهمونه
أنه بدكتاتوريته هذه جزء من المخطط ، وتثور ثورة " صنع الله " ويمزق
الأوراق ، ياله من مخطط ، لا أدري كم مرة كتبت كلمة المخطط ، إن مناقشة قضية بهذه
الطريقة لجديرة بالدراسة على مستوى الشكل و المضمون ، أما عن المضمون فقد أصبحتا
جميعاً - من وجهة نظر الكاتب – أفراد في خلية المخطط المطلق ، حتى دور المخرج أصبح
هو الآخر سبباً في وجود المخطط ، ولا أدري إن كان يقصد بهذه الشخصية السلطة
الأبوية الحالية للدولة أم مجرد مخرج ، لأنه
أشار لجميع الشخصيات المتآمرة في المخطط بشكل مباشر، عدا السلطة ، ومن هذا المنطلق
فهذه الشخصية أعني شخصية المخرج بشكلها
الوظيفي كنمط اجتماعي عادي ، لا تمثل ثقلاً في الدراما ، وتجعل حالة كسر الإيهام
مجرد فواصل بين اللوحات ، وبعد ذلك أنتقل إلى تشكيل الفضاء المسرحي الذي كان من
مهام مصمم الديكور " وليد جابر " ، فلم يحقق إلا البعد المكاني للأحداث
ولم يتداخل معها ، وأيضا أخص بالذكر " محمد ميزو " مصمم الاستعراضات
الواعد الذي حقق حالة من البهجة في بداية العرض بتصميمه لرقصة للمثلين شكلت صورة
بصرية جيدة ، وفي نهاية قراءتي لعرض " المخطط " أستطيع أن أقول إننا إذا أردنا مثلا صارخا
للميلودراما فسيحققه العرض الذي بين أيدينا بامتياز، وهذا ليس تقليلاً من شأن
العرض أو الميلودراما بالطبع .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق