الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

المخطط .... الأبواق تتحرك من تلقاء نفسها

وأنا أشاهد اللوحات الأولى لمسرحية " المخطط " - للكاتب سامح عثمان ومن إخراج المخرج الشاب سامح بسيوني-  تداعت إلى ذهني  عبارات من رواية ج.م. كوتزي الشهيرة " في انتظار البرابرة " ، الذي يصور فيها الكاتب الحال السياسي للممالك و الإمبراطوريات الكبيرة ، التي يحاول حكامها طوال الوقت السيطرة على المحكومين بإطلاق نفير الحرب بشكل دائم على البرابرة ،اللذين لم يرهم أحد قط ،  فقط لإلهاء المحكومين في تلك الحالة  العبثية على الدوام ، بأن يظل المحكوم مستكينا بجوار أو تحت أقدام سلطة الدولة ، محتمياً بها من شرور قدوم البرابرة الأجلاف ، حتى لو لم يكن للبرابرة وجود أصلاً ، وتستخدم السلطة أبواقها للتأثير على العامة ،أو تتحرك الأبواق من تلقاء نفسها بنظرية القصور الذاتي ، ولكني أثرت الفرجة إلى النهاية ربما أجد نفسي مخطئاً بهذا الحدث الأولي ، ويبدو أن حدثي المبدأي قد انتصر علي إلى النهاية ، التحذير من المخطط القادم الذي سيحيق بالبلاد ، هكذا سارت الأحداث طوال أوقات العرض في خطين متقاطعين ، أولهما بروفة لعرض مسرحي وثانيهما أحداث مسرحية المخطط ذاتها ، ، بدأ العرض بالبروفة المسرحية  التي كُسرفيها الإيهام من البداية ، مجموعة كبيرة من الممثلين على خشبة المسرح وشخصية ديكتاتورية لمخرج يجلس في الصالة لتوجههم ومعها الشخصية النمطية الشهيرة لمساعد المخرج ، وعندما يستعرض المخرج عضلاته الدرامية على الممثلين بأنه قادر على تحريك الأحداث وتوجيه الدراما كيفما تريد ، تبدأ الأزمة ويحاول الممثلين التملص من سلطة المخرج الديكتاتور ،  وتثور إحدى الممثلات وترفض هذا الوضع المفروض عليهم جميعاً ، فيستغني عنها المخرج ويطردها ، ويستأنف التدريبات على عرض يحرك أحداثه كما يريد ، وهنا يبدأ الخط الآخر في الدراما وهو الخط الذي يعتمد على الإيهام وليس كسره ، أو ما نستطيع أن نطلق عليه المسرحية الحقيقية ذاتها " المخطط " ، وبشكل ميلودرامي تختار أحدى الجهات الأمنية  من خلال الإنترنت "صنع الله " القهوجي   - الذي لعب دوره ببراعة الممثل " إسلام عبد الشفيع " – لكي يساعد في كشف المخطط الذي يحاك للبلاد ، وبشكل اللوحات - الذي اشتهر في فترة الثمانينيات و التسعينيات - مر" صنع الله " بمجموعة من الأماكن التي تشكل التركيبة الاجتماعية للشعب المصري ، مر بالحارة التي بها المقهى  - محل عمله - لكي يحصل على الأوراق التي كُتب عليها المخطط الغامض الذي دفن بدوره تحت عتبة أحد المحلات المجاورة ، وهنا يستعرض الكاتب ما وصل إليه حال الشارع المصري في تبدل الحال من سيء إلى أسوأ ، ويعود المخرج ليحرك الأحداث مرة أخرى من مقعده في الصالة ، ليمنع صنع الله  من مقابلة الجهة الأمنية و تسليمها المخطط ، ويبعث به إلى قسم الشرطة الذي يجد فيه ظباط شرفاء وآخرين غير ذلك ، لانقاذ البلاد من المخطط ، بإشارة منه على أن الشرطة لم تتغير من سيء إلى أسوأ كحال الحارة المصرية التي أشار إلى تبدل حالها في اللوحة السابقة ، ولكنه لم يجدضالته في القسم ولا أعرف لماذا ..؟ يبدو لكي تستمر الأحداث ...، وبنفس الشكل الميلودرامي  ينقل المخرج الأحداث إلى مكان تجمع إحدى الجماعات الدينية المتشددة ، و بدلا من مناقشة القضية بطريقة منطقية كعادة تناول الدراما المصرية لهذا النمط الاجتماعي ، يتم تناوله بشكل الكليشيه المعهود (( لا تناقش ولا تجادل )) ، وانتقلت الأحداث مرة أخرى بأمر مخرجنا لأحد مقاهي المثقفين ، وبنفس الطريقة بدأت الاتهامات تكال إلى المثقفين بالجهل و التحذلق و العمالة واستجداء التمويلات من الخارج ، وانتقل بعدها إلى اللوحة الأخيرة في الخط الثاني من دراما " المخطط " بذهاب  " صنع الله " إلى أحد رجال الأعمال لينقذ البلاد من المخطط فعلم بنفس الطريقة الميلودرامية  من خلال مكالمة تليفونية جاءت لرجل الأعمال أنه يتهرب من الضرائب ، فخشى أن يطلعه على أوراق المخطط ، ونعود مرة أخرة لكسر حالة الإيهام بتدخل المخرج في الأحداث مرة أخرى وأخيرة ، فيثور عليه الممثلين ويتهمونه أنه بدكتاتوريته هذه جزء من المخطط ، وتثور ثورة " صنع الله " ويمزق الأوراق ، ياله من مخطط ، لا أدري كم مرة كتبت كلمة المخطط ، إن مناقشة قضية بهذه الطريقة لجديرة بالدراسة على مستوى الشكل و المضمون ، أما عن المضمون فقد أصبحتا جميعاً - من وجهة نظر الكاتب – أفراد في خلية المخطط المطلق ، حتى دور المخرج أصبح هو الآخر سبباً في وجود المخطط ، ولا أدري إن كان يقصد بهذه الشخصية السلطة الأبوية الحالية للدولة أم مجرد مخرج ،  لأنه أشار لجميع الشخصيات المتآمرة في المخطط بشكل مباشر، عدا السلطة ، ومن هذا المنطلق فهذه الشخصية أعني شخصية المخرج  بشكلها الوظيفي كنمط اجتماعي عادي ، لا تمثل ثقلاً في الدراما ، وتجعل حالة كسر الإيهام مجرد فواصل بين اللوحات ، وبعد ذلك أنتقل إلى تشكيل الفضاء المسرحي الذي كان من مهام مصمم الديكور " وليد جابر " ، فلم يحقق إلا البعد المكاني للأحداث ولم يتداخل معها ، وأيضا أخص بالذكر " محمد ميزو " مصمم الاستعراضات الواعد الذي حقق حالة من البهجة في بداية العرض بتصميمه لرقصة للمثلين شكلت صورة بصرية جيدة ، وفي نهاية قراءتي لعرض " المخطط "  أستطيع أن أقول إننا إذا أردنا مثلا صارخا للميلودراما فسيحققه العرض الذي بين أيدينا بامتياز، وهذا ليس تقليلاً من شأن العرض أو الميلودراما بالطبع .   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق